“التويزة”… موسم حصاد النعناع يعيد دفء الجماعة

الغاسول ولاية البيّض

0 29

في قلب بلدية الغاسول شرق ولاية البيّض، وبين حقول تفوح منها رائحة النعناع الزكية، انطلقت هذه الأيام عملية حصاد هذا “الذهب الأخضر”، وسط أجواء تضامنية تقليدية تستحضر موروثا فلاحيا راسخا منذ عقود، يعرف في المنطقة بـ”التويزة”.

النعناع هنا ليس مجرد نبتة عطرية تستعمل في الشاي أو الطب التقليدي، بل هو علامة هوية فلاحية ورافد اقتصادي تعتمد عليه عشرات العائلات في معيشتها، مستفيدين من طبيعة التربة والمناخ المحلي الملائم الذي يمنح النبتة نكهة قوية ومذاقا لا يضاهى.

التويزة… تعاون ينبع من القلب

تعد “التويزة” إحدى أقدم مظاهر التضامن الريفي التي لا تزال حية إلى اليوم في بلدية الغاسول، إذ يحدد يوم للحصاد، فيتوافد الجيران والأصدقاء وحتى الأقارب من القرى المجاورة لمساعدة صاحب المزرعة دون أجر، في جو يشبه الأعياد الريفية.

فلاحون، شباب، نساء وحتى شيوخ يتوزعون الأدوار بين الحصاد، الجمع، والتحميل، بينما تحضر النساء وجبات تقليدية لتأمين الغذاء الجماعي وسط الحقول، تتقدمه “الكسرة” و”الطاجين بالنعناع الطازج”.

يقول العم سماحي احمد ، أحد أقدم فلاحي المنطقة:

“النعناع نعمة من ربي، نخدموه بنية، ونحصدوه بالإخلاص والتويزة. عمرها ما خانتنا الأرض، كي نكونو متعاونين.”

حصاد تقليدي وأصالة زراعية

يؤكد فلاحو الغاسول أن هذه السنة تبشر بإنتاج جيد من النعناع، حيث تنتشر زراعته في معظم الأراضي القابلة للسقي، وتتم عملية الجني باستخدام وسائل بسيطة كالمنجل والمحشات اليدوية، دون الاعتماد على الآلات، ما يضفي على العملية طابعا يدويا أصيلا

ويمتد استعمال النعناع الغاسولي خارج حدود الولاية، حيث يطلب في ولايات أخرى لما يتميز به من جودة، سواء للاستهلاك المباشر أو لاستخدامه في تحضير مواد طبية وتقليدية.

فرحة العيد في الحقول

لا يخلو المشهد من لمسات اجتماعية، حيث ترافق الحصاد فرحة عائلية وموسم لقاء بين الأجيال. الأطفال يشاركون في جمع حزم النعناع الصغيرة، والشباب يستعيدون قصصا عن “التويزة” كما رواها الأجداد، في مشهد يعكس حيوية الريف الجزائري رغم بساطة العيش.

تقول إحدى السيدات، وهي في الخمسين من عمرها ومن سكان قرية بوصلاح:

“ما كاينش كيف ريحة النعناع كي يقطفوه بيد الجماعة.. والفرحة لي في القلوب ما تنشراش.”

….التويزة… تراث لا يموت

يبقى نعناع الغاسول رمزا حيا لارتباط الإنسان بأرضه، ولثقافة العمل المشترك التي ترفض أن تندثر في زمن الفردانية. وفي كل موسم حصاد، تتجدد حكاية التويزة، شاهدة على أن بعض التقاليد لا تموت… بل تزهر من جديد مع كل نبتة خضراء.

محمد بن هرڨال

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار