يشهد العالم، عاجزًا، المأساة الإنسانية في فلسطين. الشهداء في غزة، جنين وطولكرم ليسوا مجرد أرقام؛ هم أرواح بشرية، عائلات مدمرة، ومجتمعات محطمة. يجب على المجتمع الدولي مضاعفة جهوده لوضع حد لتصعيد العنف وضمان وصول المساعدات الإنسانية العاجلة للضحايا.
بينما تستمر المعاناة، يبدو الأمل يتلاشى. ولكن طالما أن هناك صوتًا يعلو، طالما أن الظلم يتم التنديد به، يبقى الأمل في التغيير. السلام والكرامة هما حقوق أساسية يستحقها الشعب الفلسطيني لاستعادتها.
منذ السابع من أكتوبر 2023، تعيش غزة مأساة إنسانية غير مسبوقة. وصل عدد الشهداء بشكل مأساوي إلى أكثر من 50,933، في حين بلغ عدد الجرحى 116,450. هذه الأرقام، التي تستمر في الزيادة كل يوم، تشهد على حجم المعاناة التي تُصيب المدنيين الفلسطينيين.
في هذا الساق، أعربت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، سيغريد كاغ، عن قلقها بشأن تزايد سوء التغذية، لا سيما لدى الأطفال دون سن الخامسة، حيث يعاني أكثر من 60,000 منهم من نقص حاد في التغذية.
الوضع لا يبدو أنه سيتحسن. فقد تم قطع إيصال المساعدات الإنسانية، التي كانت تصل إلى وجهتها خلال فترة وقف إطلاق النار، بشكل مفاجئ منذ منتصف مارس 2025. هذه المقاطعة تحدث في وقت يعاني فيه الطاقم الإنساني بالفعل من نقص في المعدات الطبية والوقود، مما يجعل تقديم المساعدة أكثر صعوبة.
أونروا: غزة تقترب من مجاعة شديدة
أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) يوم الجمعة أن غزة تقترب من “مجاعة شديدة” في ظل نفاد الإمدادات الأساسية في قطاع غزة بسبب الإغلاق المستمر لمعابرها من قبل الكيان الصهيوني منذ 2 مارس.
وقالت جولييت توما، مديرة الإعلام والاتصال في أونروا، في بيان: “مع استمرار الحصار الصهيوني على غزة منذ أكثر من ستة أسابيع، تتناقص جميع المنتجات الأساسية.
وأوضحت توما أن نفاد الموارد الأساسية يرافقه “زيادة كبيرة في أسعار” السلع المتوفرة في غزة خلال الشهر الماضي، منذ أن فرضت الاحتلال حصارها. وهذا يعني أن الرضع والأطفال ينامون وهم جائعون.
دعوة لاستئناف فوري لوقف إطلاق النار ورفع الحصار
وأشارت توما إلى أنه بدون هذه “الإمدادات الأساسية، تقترب قطاع غزة كل يوم من المجاعة الشديدة”، داعية إلى “استئناف فوري لوقف إطلاق النار في غزة، ورفع الحصار، والسماح بدخول الإمدادات الإنسانية والتجارية دون عوائق”.
في 2 مارس، أغلق الكيان الصهيوني المعابر في قطاع غزة أمام دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، مما أدى إلى تدهور غير مسبوق في الوضع الإنساني.
من جانبها، وصفت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ميريانا سبولياريتش إيجر، الوضع الإنساني في قطاع غزة بـ “الجحيم على الأرض”، محذرة من أن إمدادات المستشفى الميداني للجنة ستنفد خلال أسبوعين.
رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر تصف الوضع في غزة بالجحيم على الأرض
قالت سبولياريتش، من مقر اللجنة في جنيف، لوكالة رويترز: ”نحن الآن في وضع يجب أن أصفه بالجحيم على الأرض”، وأضافت: ”السكان لا يحصلون على المياه أو الكهرباء أو الطعام في العديد من المناطق”.
وأضافت أنه ”الإمدادات تقل بشكل خطير، على مدار ستة أسابيع، لم يصل شيء، لذلك في غضون أسبوعين، سنفتقر إلى الإمدادات التي نحتاجها لتشغيل المستشفى”.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن مخزوناتها من المضادات الحيوية وأكياس الدم تنفد بسرعة. وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحفيين في جنيف عبر رابط فيديو من القدس، إن 22 من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة تعمل بشكل محدود. كما عبرت رئيسة الصليب الأحمر عن قلقها بشأن سلامة العمليات الإنسانية. وقالت سبولياريتش: ”حركة السكان خطيرة للغاية، لكنها تشكل خطراً خاصاً على عملنا”.
الخارجية الفلسطينية تدعو المجتمع الدولي لتوفير الحماية للمدنيين
من جانبه، عبّرت وزارة الخارجية الفلسطينية وشؤون المغتربين عن قلقها البالغ إزاء أوامر الإخلاء القسري المستمرة والواسعة النطاق التي تصدرها الاحتلال، والتي تمتد الآن لتشمل مناطق أوسع في مدينة غزة و خان يونس.
وقد اعتبرت الوزارة هذه الإجراءات “تصعيدًا إضافيًا للجهود الرامية إلى إبادة الشعب الفلسطيني، وزيادة عدد جرائم قتل المدنيين الأبرياء، وحصرهم في مناطق ضيقة استعدادًا للتهجير القسري”.
وأكدت الوزارة في بيان أن “ذلك يتم من خلال الحرمان المنهجي، بما في ذلك المجاعة والعطش ورفض العلاج الطبي وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية”.
وأعادت الوزارة التأكيد على “أهمية إنهاء العدوان واستهداف المدنيين الأبرياء”، داعية المجتمع الدولي إلى “توفير الحماية لهم”. كما طالبت بفضح الخداع المستمر من قبل الحكومة الصهيونية وتبريرها للإبادة الجماعية والفظائع الجماعية من خلال ربط مفاوضات وقف إطلاق النار زائفًا بالمفاوضات بشأن الاتفاق المقترح”.
مصطفى : الشعب الفلسطيني سيتنصر، رغم التهديدات المتواصلة
في غضون ذلك، يدخل العدوان الصهيوني ضد مدينة ومخيم جنين يومه الثاني والثمانين، حيث يشهد تدميرًا واسعًا، وحرائق متعمدة، وتحويل المباني المدنية إلى ثكنات عسكرية. تم تهجير حوالي 21,000 شخص، مما يزيد من تفاقم الفقر والأزمة الإنسانية في المنطقة. في طولكرم، تتواصل الحملة العسكرية لليوم السادس والستين على التوالي، مع ضربات مكثفة، واعتقالات تعسفية، ومصادرة العديد من المنازل. قُتل ثلاثة عشر شخصًا، بينهم طفل وامرأتان (إحداهما حامل). تتدهور ظروف المعيشة بشكل حاد، في حين لا تزال المساعدات الإنسانية صعبة الوصول إليها.
من جهة أخرى، أكد رئيس الوزراء ووزير الخارجية محمد مصطفى يوم الجمعة، أن الشعب الفلسطيني “سيتنصر، رغم التهديدات المتواصلة”.
وقال مصطفى: “التشريد، التدمير، الحرب، الاستيطان والعقوبات الاقتصادية هي تهديدات نواجهها، ولكن شعبنا سينتصر”.
ما يحدث اليوم في غزة، هو فصل جديد في مسيرتنا الطويلة نحو الاستقلال
لمدة 77 عامًا، عانى شعبنا من الحرب والنزوح والتدمير. ما يحدث اليوم في غزة يمثل فصلًا جديدًا في مسيرتنا الطويلة نحو الاستقلال الفلسطيني، والسلام الدائم، والاستقرار في المنطقة”، كما قال.
وقد أدلى بهذه التصريحات خلال طاولة حوار رفيعة المستوى نظمها مجموعة الاتصال الوزاري العربي الإسلامي حول مستقبل غزة وفلسطين، التي عقدت يوم الجمعة في إطار المنتدى الدبلوماسي الرابع في أنطاليا، والذي شارك فيه دبلوماسيون، وقادة سياسيون، وأكاديميون، وصحفيون من جميع أنحاء العالم.
”بينما تشتعل الحرب في غزة، شعبنا في الضفة الغربية، خاصة في مخيمات اللاجئين، يخضع أيضًا للنزوح، والحصار المالي والاقتصادي، وتكثيف الإجراءات الصهيونية في القدس الشرقية”، كما أشار رئيس الوزراء.
”رغم جميع هذه الانتهاكات والهجمات، يواصل شعبنا نضاله من أجل الاستقلال ويظل مصممًا على الدفاع عن أرضه، مهما كان الثمن”، أضاف مصطفى.
مؤكدًا على الاعتراف الدولي المتزايد، ذكر مصطفى أنه ”قد اعترفت 149 دولة حول العالم بالفعل بدولة فلسطين، رغم جميع جهود الاحتلال لتقويض القضية الفلسطينية”.
منصور:الإدانة وحدها لم تعد كافية، ومن الضروري اتخاذ إجراء دولي فعال
وفي هذا السياق، وجه رياض منصور، المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، يوم الخميس ثلاث رسائل متطابقة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن (فرنسا)، ورئيس الجمعية العامة”.
في هذه الرسائل، سلط الضوء على التدهور الخطير والمستمر للوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما في قطاع غزة. وأكد أن “الإدانة وحدها لم تعد كافية وأنه من الضروري اتخاذ إجراء دولي فعال لوضع حد لجرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني”.
وشدد على ضرورة أن تستخدم المجتمع الدولي “جميع الوسائل القانونية والسياسية والاقتصادية المتاحة للضغط على الكيان الصهيوني لوقف جرائمه ضد المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية”.
من غير المقبول أن يفلت مجرمو الحرب الصهاينة من العدالة
كما طالب بـ “وقف إطلاق نار فوري، وتنفيذ فعال للتدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية، والامتثال للقرارات ذات الصلة من الأمم المتحدة، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن، والجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان”.
ندد منصور بمواصلة الانتهاكات الجسيمة من قبل الاحتلال، مثل القتل، والدمار الشامل، والتهجير القسري، والمجاعة، وتدمير الحياة اليومية للفلسطينيين”. وأكد أن “من غير المقبول أن يفلت مجرمو الحرب الصهاينة من العدالة، ويجب أن تأخذ العدالة مجراها”.
ودعا مجلس الأمن إلى “تحمل مسؤولياته لإنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني، وإجبار الكيان الصهيوني على رفع الحصار المفروض على غزة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية بشكل فوري وغير مشروط — بما في ذلك الغذاء، والماء، والأدوية، والمأوى، والوقود”. وأكد على أهمية “تسريع تنفيذ مراحل وقف إطلاق النار وضمان استدامتها في جميع أنحاء قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية”.
يجب أن تكون نهاية الإبادة الجماعية والانتهاكات أولوية قصوى للمجتمع الدولي
اختتم منصور رسالته بالقول إن ”نهاية الإبادة الجماعية والانتهاكات الخطيرة يجب أن تكون أولوية قصوى للمجتمع الدولي”. ووفقًا له، فإن هذا يشكل ”خطوة حاسمة نحو إنهاء الاحتلال الاستعماري ونظام الفصل العنصري، وتحقيق العدالة، وضمان الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره والعيش بحرية وسلام في دولته المستقلة على حدود 1967، مع القدس الشرقية عاصمة لها، وفقًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، في إطار حل سياسي عادل وشامل قائم على مبدأ الدولتين”.
وفي هذا الإطار، ستعقد محكمة العدل الدولية جلسات علنية بشأن التزامات الكيان الصهيوني فيما يتعلق بوجود الأمم المتحدة في فلسطين المحتلة بدءًا من 28 من هذا الشهر.
وقالت المحكمة، إن 44 دولة وأربع منظمات دولية أعربت عن نيتها المشاركة في المرافعات الشفوية أمام المحكمة التي تقعد في قصر السلام في لاهاي، مقر المحكمة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة طلبت في كانون الأول الماضي، من العدل الدولية فتوى بشأن التزامات الكيان الصهيوني فيما يتعلق بوجود وأنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى والدول الثالثة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفيما يتعلق بها.
ك.ب