– دعوة للخروج من النموذج السائد للردود الدولية إلى أعمال تتماشى مع القانون الدولي
من غزة إلى الضفة الغربية، يعاني الشعب الفلسطيني من واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في عصرنا، في صمت مدوٍ. منذ السابع من أكتوبر 2023، تعيش الأراضي الفلسطينية، وخاصة قطاع غزة، وجنين، وطولكرم، تحت وطأة هجوم صهيوني غير مسبوق من حيث الحجم والشدة. القصف المستمر، والغارات العسكرية المتكررة، والتدمير الواسع، والنزوح القسري قد أغرق مئات الآلاف من المدنيين في وضع درامي، تتسم بالخسائر البشرية الضخمة والتدهور المقلق لظروف الحياة.
في مواجهة هذه الدوامة من العنف ولامبالاة المجتمع الدولي، تتحمل الشعوب المحلية، يومًا بعد يوم، ويلات الاعتداء الذي لا يظهر أي علامة على التهدئة.
وفقًا لمصادر طبية محلية، بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة 50.846، غالبيتهم من النساء والأطفال. بينما بلغ العدد الإجمالي للضحايا المرتبطين بالعدوان الإسرائيلي منذ أكتوبر 115.729، في حين لا يزال العديد من الأشخاص عالقين تحت الأنقاض، غير قابلين للوصول إليهم من قبل سيارات الإسعاف وفرق الإنقاذ.
لليوم التاسع والسبعين على التوالي، تواصل القوات الصهيونية تنفيذ عمليات مكثفة في مدينة جنين ومخيمها، مشفوعة بتدمير منهجي للمنازل، واندلاع حرائق، وتحويل أحياء بأكملها إلى ثكنات عسكرية.
في 8 أفريل، أصيب شاب فلسطيني يبلغ من العمر 25 عامًا بجروح خطيرة جراء رصاصة في حي الهدف، بينما كان الجنود يطلقون النار عشوائيًا. وفي نفس اليوم، تم تفجير منزل في قلب المخيم، مما أطلق سحابة كثيفة من الدخان في السماء. تواصل الجرافات تدمير البنية التحتية وتشويه المشهد الحضري بشكل وحشي. أدى النزوح القسري لأكثر من 21.000 من السكان إلى أزمة إنسانية مقلقة: تم هدم 600 منزل وأصبحت نحو 3.000 أخرى غير صالحة للسكن.
البطالة، والفقر، والخراب تتفاقم. منذ بداية الهجوم، تم توثيق 36 شهيدًا في هذه المنطقة المدمرة. في طولكرم ونور شمس، تتواصل العمليات العسكرية منذ 73 و59 يومًا على التوالي. اجتاحت القوات الصهيونية المخيمين، مضاعفة الغارات الليلية، والتفتيشات، والتدمير، والعنف ضد المدنيين. تم تحويل المنازل إلى ثكنات عسكرية، ودخلت المركبات المدرعة والجرافات الشوارع المهجورة، وزادت الاعتقالات التعسفية.
الخارجية الفلسطينية تعبر عن استيائها العميق إزاء عدم تحرك المجتمع الدولي
شملت الاقتحامات أيضًا ضواحي دير دبوان ومدن مجاورة. وفي طولكرم، فقد 13 مدنيًا حياتهم، من بينهم طفل وامرأتان، إحداهما حامل في شهرها الثامن. كما تم تهجير أكثر من 4,000 أسرة قسرًا، لينضموا إلى صفوف المتشردين الذين حرموا من كل شيء.
في هذا السياق، أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية أمس المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في حي الشجاعية في غزة.
وأكدت الوزارة في بيان أن هذه المجزرة “تعتبر محاولة رسمية صهيونية لقتل مواطنينا جماعيًا، وتدمير قواعد وجودهم في القطاع من خلال دفعهم قسرًا للهجرة على يد قوات الاحتلال”.
وأعربت عن استيائها العميق “إزاء عدم تحرك المجتمع الدولي تجاه المجازر وجميع أشكال الإبادة الجماعية، والتهجير، والنهب، وضم الأراضي الفلسطينية”.
تنفيذ قرارات الشرعية الدولية تضمن التوقف الفوري لجرائم القتل والإبادة الجماعية
أعادت وزارة الخارجية التأكيد على طلبها بـ ”إجراءات دولية جدية لإنهاء استبعاد المدنيين من الاحتلال”، داعية إلى ”الخروج من النموذج السائد للردود الدولية نحو مواقف وأفعال تتماشى مع القانون الدولي، وضمان تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة التي تضمن التوقف الفوري لجرائم القتل والإبادة الجماعية”.
وأكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أيضًا في بيان آخر أن عمليات هدم المنازل والمرافق الفلسطينية الجارية من قبل قوات الاحتلال، تحت ذريعة زائفة، هي امتداد لجرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري والضم والتطهير العرقي. وأشارت الوزارة إلى أن سبع منازل مأهولة وقاعة أفراح في الضفة الغربية قد تم هدمها تحت ذريعة غياب تصاريح البناء، في عمل قمعي يهدف إلى منع الفلسطينيين من البناء على أراضيهم الخاصة.
وأضافت أن هذه التصعيدات تحدث في وقت لا يزال الاحتلال ”يستولي على المزيد من الأراضي الفلسطينية لتعزيز وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، بينما يفرض سلسلة من الإجراءات العقابية الجماعية، والعنف والقمع، فاصلًا المجتمعات الفلسطينية عن بعضها عبر مئات الحواجز العسكرية. الاحتلال يخوض سباقًا ضد الزمن لتدمير أي إمكانية لتحقيق دولة فلسطينية على الأرض”.
طلب وقف الإفلات من العقاب والضغط على الكيان الصهيوني لوقف أعماله
جددت وزارة الشؤون الخارجية “طلبها بوقف الإفلات من العقاب للكيان الصهيوني والضغط عليه لوقف أعماله الأحادية غير القانونية، التي قد تؤدي إلى انفجار إقليمي”.
وأشارت إلى أن “موقف المجتمع الدولي، الذي يكتفي بإدانة العدوان الصهيوني وظهور مظاهره في شكل بيانات إدانة، وتحذيرات، أو قرارات غير مُنفَّذة من الأمم المتحدة، يعد بمثابة غطاء للسياسة الصهيونية ويشجعها على مواصلة جرائمها دون خشية من المساءلة”.
من جهة أخرى، أدانت منظمة التعاون الإسلامي قرار سلطات الاحتلال بإغلاق ست مدارس تابعة لوكالة الأونروا في القدس المحتلة. ويأتي هذا القرار في إطار إجراءاتها غير القانونية التي تستهدف وجود ودور الوكالة الأممية، وخاصة في القدس. وهو “انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة، بما في ذلك القرار 302 (الرابع)، الذي يحدد التفويض الممنوح للوكالة”.
وفي بيان أصدرته أمس، حذرت المنظمة من عواقب هذا القرار الذي سيحرم الأطفال اللاجئين الفلسطينيين من حقهم الأساسي في التعليم، ويعمل على فرض البرنامج الإسرائيلي عليهم. وأكدت أن هذا جزء من الهجمات الصهيونية ضد حقوق الشعب الفلسطيني ووجوده في القدس المحتلة، ويأتي في سياق محاولاته غير المقبولة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم الأساسي في العودة.
منظمة التعاون الإسلامي تجدد دعوتها لجميع الدول لحماية الأونروا
جددت المنظمة دعوتها لجميع الدول “لحماية الأونروا وتقديم الدعم السياسي والمالي والقانوني لها، مما يمكنها من مواصلة دورها الحيوي واللا غنى عنه لخدمة ملايين اللاجئين الفلسطينيين وضمان حقوقهم، وفقًا للقرارات ذات الصلة للأمم المتحدة، بما في ذلك القرار 194”.
وفيما يتعلق بذلك، صرح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأن الكيان الصهيوني يعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مشيرًا إلى أن أكثر من شهر قد مر دون دخول مساعدات إلى القطاع. وفي تصريحات صحفية أدلى بها في مقر الأمم المتحدة الليلة الماضية، أوضح غوتيريش أن “التهجير القسري لسكان غزة يعد انتهاكًا للقانون الدولي”.
وأضاف أن وكالات الأمم المتحدة كانت “مستعدة لتقديم المساعدات، لكن الإجراءات الجديدة التي اقترحتها السلطات الصهيونية بشأن تسليم المساعدات تهدد بفرض رقابة أكبر وتقليص كبير في المساعدات”.
وشدد غوتيريش على أن الأمم المتحدة “لن تشارك في أي إجراء لا يحترم المبادئ الأساسية بالكامل، داعيًا إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق وتوفير الحماية لجميع العاملين في المجال الإنساني، كما ينص عليه القانون الدولي”.
الأمم المتحدة تدعو إلى تحقيق مستقل في قتل العاملين في المجال الإنساني
كما دعت إلى “تحقيق مستقل في قتل العاملين في المجال الإنساني، بما في ذلك موظفي الأمم المتحدة”.
وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن قتل ثمانية مسعفين في قطاع غزة يعد تذكيرًا صارخًا بمدى خطورة الوضع في غزة، سواء على المدنيين أو على العاملين في المجال الإنساني الذين يخاطرون بكل شيء لإنقاذ الأرواح.
وقال مدير بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، في بيان نشره الصليب الأحمر أمس، إن هذه الحادثة “يجب أن تكون نقطة تحول حقيقية، حيث يتمتع العاملون في المجالات الإنسانية والطبية بحماية القانون الدولي الإنساني، ويجب احترامهم في جميع الظروف، وتمكينهم من أداء عملهم بأمان، دون عوائق أو أضرار”.
وأضاف أيضًا: “في كل مرة يُقتل فيها مسعف، يتم قطع الجناح الحيوي للمدنيين، بينما يغمرنا الألم والغضب لقتل مسعفين من الهلال الأحمر الفلسطيني، الذين عمل العديد منهم معنا في مستشفى الصليب الأحمر وفي مستشفيات أخرى في غزة، بالإضافة إلى فرق الإسعاف الأخرى من الدفاع المدني”.
وتابع: “كل يوم هو ذكرى جديدة لفقدانهم، ونحن نشعر بقلق عميق من المشاهد المرعبة التي تظهر ظروف وفاتهم”.
ك.ب