الرئيس تبون يضع النقاط على الحروف
الجزائر منذ استقلالها تلتزم بمحورين في سياستها الخارجية وهما عدم الانحياز وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان
تطرق رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون الى التوتر المتزايد في العلاقات الجزائرية الفرنسية، في حوار مع جريدة l’Opinion الفرنسية ،مشيرا إلى أن الكرة الآن في ملعب الإليزيه، حتى لا نسقط في افتراق غير قابل للإصلاح. وأوضح أن المناخ مع فرنسا أصبح ضارًا، وأن الجزائر تضيع الوقت مع الرئيس ماكرون. في هذا السياق، تطرق الرئيس تبون إلى ما اعتبره محاولة من وزير داخلية فرنسا لتوجيه ضربة سياسية للجزائر عبر محاولة طرد مؤثر جزائري. وأكد أن فرنسا تلاحق نشطاء جزائريين على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تحمي مجرمين ومخربين بمنحهم الجنسية وحق اللجوء. وأضاف أنه من المضحك أن يدعي بعض السياسيين الفرنسيين أن الجزائر معزولة، مشيرًا إلى أن صنصال يعتبر مشكلة بالنسبة للذين خلقوها، ولم نسمع منه حتى الآن كل الأسرار. وذكر تبون أن صنصال يتلقى العلاج ويكلم عائلته.
وفيما يخص مخلفات الذاكرة، أكد الرئيس الجزائري على ضرورة معالجتها بجدية، مشددًا على عدم قبولهم بحلول تضع آثارها كالغبار تحت البساط. كما أشار إلى أن تنظيف النفايات النووية بالجزائر هو التزام إنساني وأخلاقي وسياسي وعسكري على فرنسا. ولفت انتباه المجتمع الدولي إلى أن فرنسا هي الوحيدة المسؤولة عن التعامل مع الحالات الجهادية التي انحرفت للتطرف على أراضيها.
اما بخصوص دعم فرنسا لما تُعرف بـ “خطة الحكم الذاتي” المغربية في الصحراء الغربية اكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون انه يعد “خطأ فادحاً”. وذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتزامات بلاده كعضو دائم في مجلس الأمن، حيث يتعين عليها أن تكون ضامنة للشرعية الدولية.
وفي حديثه اشار الرئيس تبون : “تحدثنا مع الرئيس ماكرون لأكثر من ساعتين ونصف على هامش قمة مجموعة السبع في باري، في 13 يونيو الماضي. وقد أعلمني حينها برغبته في الاعتراف بـ ‘مغربية’ الصحراء الغربية، وهو ما كنا نعلمه مسبقًا. فحذرته: ‘إنكم ترتكبون خطأ فادحاً! لن تجنوا شيئاً من ذلك، بل ستخسروننا!'”. وأضاف: “أنتم تنسون أنكم عضو دائم في مجلس الأمن، وهو ما يُلزِمكم بحماية الشرعية الدولية”.
وشدد رئيس الجمهورية على أن النزاع في الصحراء الغربية هو “مسألة تصفية استعمار لم تحل بعد حسب الأمم المتحدة”، مذكراً بأن “استقلال الجزائر تحقق بعد أكثر من 130 عاماً من الكفاح”.
وأوضح أن “محكمة العدل الدولية أكدت (في رأي استشاري صادر عام 1975) أنه لا يوجد أي رابط وصاية بين الصحراء الغربية والمغرب، باستثناء علاقات اقتصادية.” مشيرًا إلى أن القضاء الأوروبي يعترف تدريجياً بحقوق الصحراويين.
كما أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر “في موقع رد الفعل” تجاه المغرب، مُقارنًا ذلك بلعبة الشطرنج، حيث نضطر للرد على الأعمال التي نعتبرها عدائية. وذكر أن “المغرب كان أول من حاول المساس بالوحدة الترابية الجزائرية من خلال الاعتداء الذي وقع عام 1963، بعد تسعة أشهر من الاستقلال، والذي أسفر عن سقوط 850 شهيداً”.
وفي هذا السياق، أبدى رئيس الجمهورية أسفه تجاه “المساعي التوسعية” التي لطالما راودت المغرب، مستشهداً باعترافه المتأخر بموريتانيا. وأضاف: “لم يعترف المغرب بموريتانيا إلا في سنة 1972، أي بعد اثني عشر عاماً من استقلالها”.
كما أشار إلى أن “السلطات المغربية هي من فرضت التأشيرة على الرعايا الجزائريين عام 1994 بعد اعتداءات مراكش”. وأوضح: “لقد منعناهم مؤخراً من التحليق في مجالنا الجوي لأنهم ينفذون عمليات عسكرية مشتركة مع الجيش الإسرائيلي على حدودنا، وهو ما يتعارض مع سياسة حسن الجوار التي حيث حاولنا دائماً الحفاظ عليها”.
مع ذلك، أقر رئيس الجمهورية بأنه يجب على البلدين “وضع حد لهذه الوضعية يوماً ما”، مختتماً بقوله: “الشعب المغربي شعب شقيق، ولا نتمنى له سوى الأفضل”.
على صعيد العلاقات الدولية، أكد تبون أن الجزائر منذ استقلالها تلتزم بمحورين أساسيين في سياستها الخارجية، وهما عدم الانحياز وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان. مؤكدا “نحن نتمتع بعلاقات ممتازة مع دول البحر الأبيض المتوسط في مجالي الاستثمارات والتجارة. ومبرزا ان الجزائر قوة استقرار في إفريقيا.
اما بخصوص العلاقات الجزائرية مع الولايات المتحدة الأمريكية اوضح الرئيس انها كانت جيدة مع جميع الرؤساء، سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين. وأكد على أن الولايات المتحدة عرضت المسألة الجزائرية على الأمم المتحدة إبّان حرب التحرير، وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الوحيدة التي تحمل مدينة باسم بطل الجزائر الأمير عبد القادر. كما ذكر أن أكبر مشاريع الجزائر في عهد الرؤساء بومدين، الشاذلي، وبوتفليقة تم إنجازها بالتعاون مع الأمريكيين، لا سيما في قطاع المحروقات ومجالات أخرى.
وفيما يتعلق بسوريا، أكّد تبون أن الجزائر واجهت اعتراضات لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية عام 2022، مشيرًا إلى أن الجزائر دائماً ما رفضت المجازر المرتكبة بحق السوريين، وكانت قد أبلغت الرئيس السابق بذلك بكل حزم، ودعمت الحوار السياسي لحل الأزمة.
أما عن موقف الجزائر من القضايا الجيوسياسية مثل روسيا والصين والساحل، فقد أشار تبون إلى أن الجزائر ترفض الكيل بمكيالين في السياسات الدولية، حيث يتم إدانة روسيا في الأزمة الأوكرانية بينما يتم السكوت عن قضايا أخرى مثل ضم الجولان والصحراء الغربية. ولفت إلى أن أوكرانيا لم تستجب لوساطة الجزائر بينها وبين روسيا،
في سياق اخر أكد على أهمية الاستثمارات الصينية في الجزائر في مجالات متعددة، وخاصة التكنولوجيا والصناعات الحديثة. وتطرق إلى الوضع الأمني في دول الساحل، مشددًا على أن الجزائر ترفض وجود قوات مرتزقة على حدودها وأبلغت روسيا بذلك.
وفي معرض حديثه عن العلاقات مع مالي، أوضح تبون أن الجزائر لا تدعم أي جماعات إرهابية في مالي، بل تؤكد دعمها للسلام، وأنها لا تهدف لوضع مالي تحت إدارتها. كما شرح للطرف المالي أن بداية الخلاف كانت ناتجة عن تدخل أجنبي. وعبر عن استعداد الجزائر لوضع مخطط كامل للتنمية في شمال مالي.
ختامًا، سلط تبون الضوء على العلاقات المتميزة مع تونس، مؤكدًا على شعبية الرئيس قيس سعيد رغم الانتقادات، وأن الجزائر تدعم تونس اقتصاديًا قدر المستطاع. وأشار إلى التاريخ المشترك، حيث عانت تونس ويلات قصف الطيران الاستعماري لأنها ساندت القضية الجزائرية، مما يجعل من الواجب على الجزائر الوقوف إلى جانب الشعب التونسي الشقيق اليوم.
وفاء.ب