تحيي الكثير من العائلات بتيسمسيلت عموما ليلة الحادي عشر إلى الثاني عشر من شهر جانفي رأس السنة الأمازيغية المعروفة باسم ينّار أو ينّاير، وهو التقليد الذي لايزال يحافظ على قيمته التاريخية و الاجتماعية الثقافية كأبرز المناسبات في الحضارة الأمازيغية إن لم تكن أهمها على الإطلاق من أجل التعرف على الأسباب الحقيقية لهذه المناسبة الهامة في حياة الأمازيغ والدوافع الحقيقية للمناسبة التاريخية، تحدثت إلى بعض النساء كبيرات السن اللواتي يملكن رصيدا عن ذلك، حيث ذكرت الحاجة حدة ببلدية عماري، أن السبب الأول للاحتفال بهذه المناسبة يعود، حسب كلام الأجداد، إلى أسطورة “ أعتروس تغاط” وتعني بالعربية المعزة والتيس، إذ تدور تفاصيل القصة حول خروج إحدى العجائز من أجل غسل الصوف بعد ارتداء زوجها ملابس الرعي متجها إلى البراري للرعي، غير أن الثغاء المتكرر للتيس بسبب حرارة اليوم أزعج الشيخ كثيرا وهو ما جعله يطلب من “ينّار، ينّاير” ضم يوم آخر بارد لأيامه من أجل التخلص من إزعاج التيس، ليطلب شهر يناير من فبراير قرضه يوما بمقولته المعروفة عند الأمازيغ “أعمي فورار سلفلي ليلة ونهار” وقد قوبل طلبه بالموافقة ليغدو ينّار بعدها 31 يوما، في الوقت الذي أصبح فورار أو فبراير 28 يوما في السنوات التي تلت الأسطورة التي شكلت نقطة الانطلاق الفعلي للذكرى . من جهتها، روت بركاهم من بلدية سيدي سليمان حكاية استهزاء العنزة بالجو الدافئ الذي ميز نهاره الأخير في قولها “بوه عليك يا ينّار”، في الوقت الذي رد عليها بقوله “نخلفلك نهار في بابا فورار ونخلي كراعك يلعبو بيهم لولاد الصغار”، حيث يتميز يوم من الأيام الثمانية الأولى لشهر فبراير ببرودة شديدة كرد فعل منه، فضلا على إشارتها في الوقت ذاته إلى إحيائهم هذه المناسبة تفاؤلا منهم بعام فلاحي جيد، لاسيما أن النشاط الفلاحي ميز حياة الأمازيغ منذ القرون الأولى وإلى غاية الوقت الحالي مع اختلاف في التركيز على نوع مخصص من النشاط الفلاحي الممارس من منطقة جغرافية إلى منطقة أخرى . أما حليمة ، المولودة بالبرج الامير عبد القادر ، فتذكر تقسيم الأمازيغ لهذه الذكرى إلى قسمين أو يومين: اليوم الثاني عشر من يناير ويسمى بالأمازيغية “إيض أقذيم”، أي الليلة القديمة في إشارة منها إلى أنها آخر يوم في السنة. أما اليوم الثالث عشر، فيسمى “إيض أجديذ” أي الليلة الجديدة، كونها أول يوم في السنة الأمازيغية، مميزة بين طبيعة الاحتفال في كل مناسبة، حيث يتم التخلص من كل ما هو قديم من مأكولات وملابس خلال “إيض اقديم”، واقتناء كل ما هو جديد أثناء “إيض اجديذ” من طلاء حديث للمنزل واقتناء ملابس للأطفال وإعداد مختلف الوجبات التقليدية التراثية. يحتفل سكان تيسمسيلت على غرار كل مناطق الوطن بحلول السنة الأمازيغية الجديدة وكلهم إصرار على التمسك بالعادات والتقاليد بإحياء هذه المناسبة التراثية. وبدأت مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة باكرا بمدينة تيسمسيلت من خلال انتشار واسع لتجارة المكسرات و الحلويات والفواكه المتنوعة منها الرمان والتين المجفف وكذا العنب المجفف وذلك عبر محلات بيع المواد الغذائية. كما لوحظ خلال هذه الأيام تحمس العائلات “التيسمسيلتية” وإقبالهم على مختلف المحلات التي غزت رفوفها بضاعة من نوع خاص ليست كالتي اعتادت أن تعرضها للزبائن والمتكونة أساسا من المكسرات مثل اللوز والجوز والبندق والفستق فضلا على البلوط الذي تشتهر به منطقة الونشريس. والاحتفال بليلة يناير بتيسمسيلت له خصوصية لدى العائلات من خلال تقديم طبق الكسكسي بالعنب المجفف والرمان والفول وأكلة “الشرشم” التي تحرص ربة البيت على تحضيرها بقمح محلي يقوم الزوج باقتنائه من محلات بيع الحبوب ومشتقاتها بعاصمة الولاية. وتقول السيدة ميمونة من مدينة تيسمسيلت والمهتمة بتراث المنطقة بأن “العائلات التيسمسيلتية تقوم ليلة الاحتفال بيناير بتزيين منازلها بأنواع مختلفة من الشموع والقناديل التقليدية التي تصنع جوا جميلا لدى الأطفال وحتى الكبار”. و أبرزت نفس المتحدثة بأن “أبناء تيسمسيلت لا يزالون يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم أبا عن جد لإحياء هذه المناسبة التراثية وذلك ما يتجلى في انتشار مظاهر الاحتفال بكل بيوت المدينة وحتى بالأسواق الشعبية والمحلات والدكاكين”. وذكرت بأن الأمهات تتفنن بالمناسبة في إعداد وجبات تقليدية أصلية مثل الكسكسي باللحم أو الدجاج و”المردود” الذي يحتوي على أنواع مختلفة من الحبوب والبقوليات بالإضافة إلى تحضير الخبز التقليدي الذي يأكل عادة مع بيض الدجاج المحلي الذي تشتهر في تربيته المناطق الريفية للولاية. وأشارت السيدة خيرة من مدينة تيسمسيلت الى أنه “خلال ليلة الاحتفال بالمناسبة يلتف أفراد العائلة حول طبق كبير من الخشب يحتوي على المكسرات والحلويات والفواكه والذي يعد إشارة لانطلاق السهرة الاحتفالية التي يكون موعدها بعد صلاة العشاء. ويحفظ بهذه المناسبة نصيب كل طفل في سلة صغيرة فردية ومهيأة بكل المكسرات بالإضافة إلى الحلويات والفواكه المجففة. وقالت نفس المتحدثة أن الأطفال يستمعون خلال سهرة الاحتفال بيناير بقصص تراثية جميلة حول أهمية هذه المناسبة وتاريخ الاحتفال بالمنطقة منذ العصور القديمة الكل في جو عائلي دافئ. كما تحتفل منطقة الونشريس (بلديات برج بونعامة والأزهرية وبوقايد وسيدي سليمانو بني لحسن و لرجام و تملاحت) بيناير بتقديم عروض غنائية تراثية في فن المربوع النسوي الذي يتغنى بتاريخ هذه المناسبة فضلا على تحضير أكلة “كسكسي البلوط بالرمان والفول” وملئ طبقية مصنوعة بمادة الدوم بمختلف المكسرات و الحلويات والفواكه المجففة استنادا إلى السيدة خيرة. كما تقام بالمناسبة ألعاب تقليدية على غرار السيق و لعبة العصا التي تنتشر بالمناطق الريفية لبلديتي برج بونعامة وبوقايد. كما ستقام بالمناسبة عديد الأنشطة الثقافية والفنية عبر كامل بلديات الولاية ال22 وذلك بمبادرة من قطاع الثقافة بالتنسيق مع مصالح الولاية وعدد من الجمعيات المحلية التي تعنى بالجانب الثقافي والتراثي حسب مديرية القطاع. وتجدر الإشارة الى أن التقويم الأمازيغي يؤرخ لما قبل 950 سنة قبل الميلاد حينما استطاع الأمازيغ بقيادة الزعيم “شاشناق” دخول مصر بعد الانتصار في حروب استمرت طويلا وبالتحديد في عهد الأسرة الواحد والعشرون التي كان يقودها الملك ” الفرعوني “ رمسيس الثالث .
مغيث عابد