تظل الوضعية في فلسطين واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية خطورة واستمراراً في التاريخ المعاصر. منذ عقود، يناضل الشعب الفلسطيني من أجل الاعتراف بحقوقه الأساسية، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة ذات سيادة على أرضه التاريخية. هذا النضال يقع في سياق من العنف والقمع والانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان.
خلال الـ 24 ساعة الماضية، ارتكبت القوات الصهيونية مجزرتين في قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل 24 مدنياً وجرح 71 آخرين. منذ 7 أكتوبر 2023، اتخذت الوضعية في غزة منحى مأساوياً، مع حصيلة كارثية تجاوزت 44,235 شهيداً، من بينهم أغلبهم من الأطفال والنساء. بالإضافة إلى ذلك، أصيب حوالي 104,638 شخصاً في الهجمات المستمرة، ما يعكس حجم العنف الموجه ضد السكان المدنيين.
الوضع أكثر تعقيداً بسبب عدم قدرة فرق الإسعاف على الوصول إلى الضحايا، الذين وقعوا تحت الأنقاض أو على الطرقات. الهجمات الصهيونية، المرتبطة بالحطام الكبير ونقص الوقود والمعدات الثقيلة، تزيد من تعقيد جهود الإنقاذ. تبقى المعلومات حول الضحايا غير مكتملة بسبب هذه المعوقات في التدخل الطارئ.
نقص المياه، أزمة جديدة في غزة
أزمة إنسانية أخرى تضرب غزة بسبب نقص المياه الصالحة للشرب. حذرت الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) من أن السكان في غزة مهددون بـ “التعرض للجفاف، مما قد يؤدي إلى تفشي الأمراض”. نقص الوقود اللازم لتشغيل آبار المياه يؤثر بشكل خاص على شمال غزة، حيث “يواجه حوالي 70,000 شخص صعوبة في الحصول على المياه الصالحة للشرب”.
اعتداءات استفزازية في الأقصى
إضافة إلى المجازر في غزة، تواصل الاستفزازات الصهيونية في المسجد الأقصى تغذية التوترات. قام المستوطنون مرة أخرى باقتحام المسجد تحت حماية الشرطة الصهيونية، وأداء طقوس دينية بشكل استفزازي. هذه الوضعية تزداد خطورة نظراً لأن هذه الاقتحامات تحدث يومياً، باستثناء يومي الجمعة والسبت، وتستمر منذ عام 2003، دون تدخل فعال من المجتمع الدولي.
اعتقالات جماعية يومية في الضفة الغربية
أيضا يستمر القمع في الضفة الغربية من خلال الاعتقالات الجماعية. تم اعتقال أكثر من 11,800 فلسطيني منذ بداية العدوان الصهيوني في أكتوبر 2023، من بينهم نساء وأطفال وجرحى سابقون. كثفت السلطات الصهيونية تحقيقاتها، مستهدفة بشكل خاص الشبان الفلسطينيين، مما يخلق مناخًا من الرعب والقمع المستمر.
نفذت القوات الصهيونية أيضًا غارات متواصلة على قرية المغيّر الفلسطينية بالقرب من رام الله. لليوم الثاني على التوالي، جرت اعتقالات، واعتُقل العديد من الشبان وتعرضوا للاستجواب. تأتي هذه العملية في سياق تشديد السيطرة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة.
25% من السجناء الفلسطينيين مصابون بالجرب ويتعرضون للمعاملة السيئة
من جهة أخرى، تشكل الأوضاع في السجون الصهيونية مصدر قلق كبير. وكشفت دراسة حديثة أن”25% من السجناء الفلسطينيين مصابون بالجرب، وهو مرض جلدي شديد العدوى”. وتفاقمت هذه الحالة بسبب ”ظروف الاكتظاظ في السجون ونقص الرعاية الطبية المناسبة”. لم تتخذ سلطات الاحتلال “”إجراءات كافية لمعالجة هذه المشاكل الصحية، رغم احتجاجات منظمات حقوق الإنسان”.
وتتعدى انتهاكات حقوق السجناء الفلسطينيين الصحة. فقد تعرض مئات السجناء ”للمعاملة السيئة، بما في ذلك إلغاء اللقاءات مع محاميهم، مما يؤخر حقوقهم القانونية”. بالإضافة إلى ذلك، تؤخر إدارة السجون الصهيونية الوصول إلى الرعاية الطبية اللازمة، مما يعرض حياة العديد من المعتقلين للخطر.
70% من الشهداء نساء و أطفال
من جانب آخر، أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أن النساء والأطفال هم الأكثر تأثراً بالعدوان الصهيوني المستمر ضد قطاع غزة، حيث ”يوجد 155,000 امرأة حامل أو مرضعة في قطاع غزة، من بينهن 4,000 امرأة من المتوقع أن يضعن هذا الشهر في ظروف كارثية وغير إنسانية”.
وفي بيان صحفي نشرته الوزارة أمس بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء، أضافت الوزارة أن النساء في القطاع المنكوب ”يعيشن في ظروف لا يتوفر فيها أي نوع من الخدمات الطبية أو الحياة، في انتهاك لجميع المواثيق والاتفاقات والقرارات الدولية، بما في ذلك القرار 1325 لمجلس الأمن “النساء، الأمن، والسلام”.”وتابعت الوزارة قائلة إن ”أكثر من 11,979 امرأة و17,492 طفلاً قد استشهدوا منذ بداية الهجوم، مما يشكل (70%) من شهداء قطاع غزة”.
نداء إلى المجتمع الدولي للتدخل ورفع الحصار عن قطاع غزة
وكشفت الوزارة عن أن ”97 امرأة يقبعن في سجون الاحتلال الصهيوني، يواجهن مصيراً مجهولاً حتى الآن، ويُحتجزن في ظروف قاسية وغير إنسانية، ويتعرضن لأشكال مختلفة من التعذيب على يد قوات الاحتلال”.
ودعت الوزارة اللجان الدولية إلى ”إجراء تحقيق شامل في أشكال العنف المنهجي ضد النساء الفلسطينيات، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه وانتهاكاته المستمرة، وكذلك على الإرهاب الذي يمارسه مستوطنوه”.
كما دعت المجتمع الدولي إلى ”التدخل ورفع الحصار عن قطاع غزة، مما سيمكن من دخول الغذاء والمياه والوقود والمساعدات الطبية والإنسانية بشكل مستمر إلى الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الاحتياجات الخاصة بالنساء والفتيات”.
الدول الأعضاء في نظام روما ملزمة بالتعاون لتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية
من جهة أخرى، صرح فادي العبد الله، المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية، أمس أن “الدول الأعضاء في نظام روما ملزمة بالتعاون مع المحكمة وفقاً للفصل التاسع من النظام الأساسي”، وذلك فيما يتعلق بمذكرتي التوقيف الصادرتين ضد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت. وأضاف قائلاً: “أما بالنسبة للدول التي لا تنضم إلى النظام، فيمكنها اختيار التعاون طواعية مع المحكمة”.
يوم الخميس الماضي، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية قرارات بالإجماع رفضت الطعون المقدمة من الدولة المحتلة بموجب المادتين 18 و19 من نظام روما، حيث تم إصدار مذكرتي توقيف ضد نتنياهو وغالانت بعد أن وجد القضاة “أسباباً معقولة للاعتقاد بأنهما مسؤولان عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وفي مقابلة حصرية مع وكالة وفا، أوضح العبد الله أنه “بعد إصدار مذكرة التوقيف، تطلب المحكمة من الدول التي يتواجد على أراضيها المشتبه بهم التعاون مع المحكمة”، مشدداً على أنه “في حال انتهاك دولة طرف في النظام لالتزامها بالتعاون، يمكن لقضاة المحكمة أن يحيلوا القضية إلى الجمعية العامة لدول الأطراف في النظام لاتخاذ أي إجراء تراه الجمعية مناسباً”.
مذكرات التوقيف تمثل بداية المرحلة الأولية للقضية
أشار العبد الله إلى أن “عدد الدول التي انضمت إلى ميثاق روما هو 124 دولة، ومن المتوقع أن يصبح العدد 125 بعد انضمام أرمينيا، حيث سيبدأ تطبيق النظام عليها في بداية العام المقبل”.
وأكد المتحدث باسم المحكمة، التي تتخذ من لاهاي مقراً لها في هولندا، أن “مذكرات التوقيف تمثل بداية المرحلة الأولية للقضية وتعني أن القضاة يعتبرون أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن المشتبه بهم مسؤولون عن الجرائم المنسوبة إليهم”.
وأضاف أن “مرحلة المحاكمة هي مرحلة لاحقة، ولا يمكن إجراء المحاكمات غيابياً وفقاً للنظام القضائي، بل يجب أن يكون الأشخاص المطلوبين حاضرين”.
نحو إصدار مذكرات توقيف أخرى
موضحاً أن “المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها قوات شرطية أو عسكرية لتنفيذ مذكرات التوقيف، بل تعتمد على تعاون الدول الأعضاء في نظام روما (الذي أنشأ المحكمة”.
فيما يتعلق بالضغوط التي تمارس على المحكمة وعلى المدعي العام كريم خان في هذه القضية، أكد المدعي العام للمحكمة في عدة تصريحات رفضه “للضغوط التي حاول البعض ممارستها عليه، وأن مكتبه يواصل إجراء تحقيقاته المستقلة والمحايدة بشأن الوضع في دولة فلسطين”. أما بالنسبة لاحتمالية إصدار مذكرات توقيف أخرى ضد مسؤولين في الدولة المحتلة، فقد صرح العبد الله أن “المدعي العام أشار إلى أنه يتابع مسارات تحقيق إضافية قد تقوده إلى تقديم طلبات جديدة للقضاة لإصدار مذكرات توقيف أخرى”.
م.ب