تُظهر التطورات الأخيرة في فلسطين تصعيدًا في انتهاكات حقوق الإنسان من قبل القوات الصهيونية. المجازر في غزة، الاعتقالات التعسفية، الاعتداءات على المسجد الأقصى، والهجمات ضد المزارعين الفلسطينيين هي جزء من هجوم منهجي يهدف إلى تدمير المقاومة الفلسطينية. كما يُبرز تصعيد الانتهاكات في السجون الصهيونية حجم الظلم الذي يعانيه الشعب الفلسطيني. في هذا السياق من الإبادة الجماعية، يصبح النداء من أجل تحرك دولي عاجل أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، ارتكبت جيش الاحتلال الصهيوني أربع مجازر مميتة ضد عائلات في قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل 76 شخصًا وإصابة 158 آخرين، وفقًا لمصادر طبية محلية. وبذلك، يرتفع إجمالي عدد القتلى إلى أكثر من 43.922 منذ 7 أكتوبر 2023، غالبيتهم من النساء والأطفال. علاوة على ذلك، أصيب 103.898 شخصًا منذ بداية العدوان. ولا يزال الآلاف من المدنيين عالقين تحت الأنقاض أو متفرقين على الطرق بسبب الهجمات المستمرة وتراكم الحطام ونقص الموارد الأساسية مثل الوقود والمعدات الطبية.
….اعتقالات وقمع في الضفة الغربية
يوم الأحد، شنّت القوات الصهيونية موجة جديدة من الاعتقالات في الضفة الغربية، حيث اعتقلت 15 مدنيًا فلسطينيًا، من بينهم أسرى سابقون وأطفال. حدثت هذه الاعتقالات في مدن مختلفة، ترافقها عمليات تدمير للمنازل. منذ بداية العدوان، تم اعتقال أكثر من 11.700 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك في القدس. بالإضافة إلى ذلك، يواصل الاحتلال تنفيذ اعتقالات جماعية، خاصة في شمال غزة، حيث تفرض ظروف احتجاز قاسية، بما في ذلك رفض الوصول إلى المعلومات حول هوية المعتقلين.
انتهاكات في المسجد الأقصى. لا تقتصر الهجمات الصهيونية على العنف الجسدي فقط: المسجد الأقصى، ثالث أقدس موقع في الإسلام، يشهد أيضًا انتهاكات متواصلة. أمس، دخل العشرات من المستوطنين الصهاينة، تحت حماية الشرطة، إلى باحات المسجد لأداء طقوس استفزازية. تهدف هذه الاقتحامات اليومية إلى زعزعة وجود المسلمين في الأقصى، بهدف تقسيم المكان المقدس والسيطرة عليه بالكامل. الفلسطينيون، الذين يخضعون لقيود في الصلاة ويعانون من الانتهاكات المستمرة، يواجهون وضعًا من المضايقات المتواصلة، في حين يتمتع المستوطنون الإسرائيليون بحرية تامة في ممارسة شعائرهم الدينية.
…..هجمات على المزارعين
في الضفة الغربية، يتعرض القطاع الزراعي الفلسطيني أيضًا للهجوم. أمس، منعت القوات الصهيونية مزارعين من بيت فوريك، بالقرب من نابلس، من حصاد الزيتون في منطقة وادي العزاب. ويعد هذا الحظر جزءًا من الانتهاكات المتكررة لحقوق المزارعين الفلسطينيين، خاصة خلال موسم الحصاد. منذ بداية موسم حصاد الزيتون، تم تسجيل أكثر من 239 هجومًا، كان 109 منها متعلقًا برفض الوصول إلى أراضي المزارعين. أسفرت هذه الهجمات عن خسائر بشرية ومادية، مثل قتل امرأة في الستين من عمرها وإحراق مئات من أشجار الزيتون.
…..ظروف مزرية للمعتقلين الفلسطينيين في السجون
من جهة أخرى، تزداد أوضاع المعتقلين الفلسطينيين سوءًا كل يوم. فقد كشفت هيئة شؤون الأسرى والمحررين أن عدد القاصرين المعتقلين من قبل الكيان الصهيوني بلغ حوالي 280 قاصرًا، حيث يوجد أكثر من نصفهم في سجن مجيدو. يعاني هؤلاء المعتقلون، وهم في الغالب أطفال، من ظروف احتجاز مروعة: طعام رديء، معاملة جسدية سيئة، نقص في الملابس والبطانيات، والمرافق الصحية في حالة مزرية. كما أن انتشار الأمراض مثل الجرب يشكل مشكلة كبيرة، حيث ترفض إدارة السجون توفير الرعاية الطبية المناسبة.
…..وزارة الخارجية الفلسطينية: ”بيانات الإدانة والتنديد غير كافية”
وفي هذا السياق، دانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية العجز الدولي المستمر في إنهاء الحرب الإبادية والنزوح في قطاع غزة، التي تستمر لليوم الـ409 على التوالي. وأضافت أن ”بيانات الإدانة والتنديد غير كافية في ظل توسع جرائم القتل والجوع والنزوح من قبل الاحتلال”.
وأشارت الوزارة في بيان صحفي صدر أمس إلى أن ”الدولة المحتلة لم تعد تكترث بالمواقف الدولية أو بالأسئلة حول الأسباب المباشرة التي تدفعها لارتكاب هذه المجازر الجماعية، والنتيجة هي أن خريطة المصالح الاستعمارية للكيان الصهيوني تتجسد في قطاع غزة، خاصة في شماله”. وأكدت الوزارة أنها تتابع يوميًا مع الدول، ومكونات المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية القانونية والإنسانية المعنية، ”لكشف ما يتعرض له الشعب في قطاع غزة”.
….إدانة قاطعة للفشل الدولي المستمر في إنهاء حرب الإبادة
وفي الوقت نفسه، عبّرت عن ”إدانتها القاطعة للفشل الدولي المستمر في إنهاء حرب الإبادة وحماية المدنيين الفلسطينيين، فكل يوم يمر في هذه الحرب الاستئصالية، تفقد المجتمع الدولي جزءًا مما تبقى من إنسانيته”.
ودعت الدبلوماسية الفلسطينية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى ”اتخاذ التدابير اللازمة التي يفرضها القانون الدولي لضمان التنفيذ الفوري للقرارات ذات الشرعية الدولية والأوامر الاحترازية لمحكمة العدل الدولية، مما يؤدي إلى وقف فوري لحرب الإبادة والنزوح”.
كما دعت الدول إلى ”إعادة النظر في آليات عملها، خاصة في المجال الإنساني، في ضوء عجزها عن ممارسة ضغط حقيقي على الكيان الصهيوني لإجباره على وقف إطلاق النار ضد الشعب الفلسطيني والخضوع لإرادة المجتمع الدولي من أجل السلام”.
….الأمم المتحدة مطالبة باتخاذ تدابير لحماية الأونروا
من جهة أخرى، دعا عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي الأمم المتحدة إلى اتخاذ تدابير لحماية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنع الكيان الصهيوني من تنفيذ القوانين التي تستهدفها.
وجاء ذلك خلال مشاركته في اجتماعات اللجنة الاستشارية للأونروا في جنيف، التي ترأسها إسبانيا، والتي استمرت يومين. وأكد أبو هولي أن “الأمم المتحدة هي الجهة المعنية بالأونروا ولديها المسؤولية لحمايتها”، داعيًا “دول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى إجبار سلطات الاحتلال على السماح للأونروا بتنفيذ ولايتها كما أقرها الجمعية العامة في جميع مجالات عملياتها، وإجبارها على احترام حصانة منشآتها وتوفير الحماية لموظفيها”.
كما دعا أبو هولي المجتمع الدولي إلى “مساءلة سلطات الاحتلال عن جرائمها ضد موظفي الأونروا ومقرها في قطاع غزة، ومحاسبة المستوطنين وجنود الاحتلال عن الاعتداءات ضد موظفيها وعدم احترام حصانتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس”.
….الأردن: ”السلام العادل والشريف هو الطريق لإنهاء الظلم التاريخي ضد الفلسطينيين”
في هذا السياق، قال الملك عبد الله الثاني ملك الأردن: “السلام العادل والشريف هو الطريق لإنهاء الظلم التاريخي ضد إخواننا الفلسطينيين، وسنبقى متمسكين بهذه الخيار الذي يعيد لأصحابه كافة حقوقهم ويضمن أمن الجميع، رغم العقبات والتطرف من أولئك الذين لا يؤمنون بالسلام”.
وأضاف: “القدس ستظل أولوية هاشمية وأردنية، وسنواصل الدفاع عن مقدساتها وحمايتها تحت الوصاية الهاشمية، وهو ما نقوم به بكل شرف وكرامة”. وأشار الملك عبد الله في افتتاح الدورة العادية الأولى للمجلس النيابي العشرين وأثناء خطاب العرش إلى أن الأردن “يبقى ثابتًا ضد العدوان على غزة والانتهاكات الصهيونية في الضفة الغربية”، وأنه “يعمل بلا كلل ضمن الجهود العربية والدولية لوقف هذه الحرب”.
….الاتحاد الأوروبي مدعو للضغط على الكيان الصهيوني لوقف تجاهله لدعوات احترام القانون الدولي
من جانبه، أكد منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، “ضرورة أن يمارس الاتحاد الأوروبي ضغطًا على الكيان الصهيوني لوقف هجومه على غزة وتجاهله لدعوات احترام القانون الدولي”. وجاء ذلك في تصريحات صحفية على هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة مقترح كان قد قدمه بوريل لتعليق الحوار السياسي مع الكيان الصهيوني بسبب عدم احترامه للقانون الدولي في حربه ضد قطاع غزة لأكثر من عام.
وقال بوريل: “علينا الاعتراف بفشل النهج الذي اتبعناه وتطبيق القوانين الدولية بدون تمييز”. وأضاف: “لم أعد أجد كلمات لشرح أو وصف ما يحدث في الشرق الأوسط، لم أعد أجد كلمات للتعبير عن حجم المأساة في غزة”.
جدد بوريل دعوته لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو “لوقف الحرب ضد غزة ولبنان”.
وفيما يتعلق بمقترحه لتعليق الحوار السياسي مع الكيان الصهيوني، قال بوريل: “يجب أن نضغط على الحكومة الصهيونية لوقف الحرب في غزة”. وأضاف: “سنفكر في عدم شراء منتجات المستوطنات الصهيونية التي يتم تصنيعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
واختتم بالقول: “حتى آخر يوم من ولايتي، سأواصل تشجيع الدول الأعضاء لدعم إنشاء دولة فلسطينية، ليس فقط بالكلمات ولكن بالأفعال”.
إسبانيا والبرازيل وماليزيا يدعون إلى وقف إطلاق النار في غزة
نددت إسبانيا بشدة، أمس، بتصاعد الهجمات الصهيونية ضد العاصمة اللبنانية بيروت وقطاع غزة، مجددة دعوتها إلى ”وقف إطلاق النار الفوري”.
جاءت هذه الإدانة على لسان وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، وعبر عن قلقه إزاء الوضع المأساوي على الأرض
وفي تدخله، أبرز خوسيه مانويل ألباريس حجم العنف المتزايد والدمار الذي يضرب المنطقة. وأعاد التأكيد على دعوة إسبانيا لـ”وقف إطلاق النار الفوري”، مؤكدًا على ”ضرورة إنهاء هذه الدورة من العنف والمجازر»، وأشار إلى «أهمية احترام القانون الدولي في إدارة النزاع”
في الوقت نفسه، على الصعيد الدبلوماسي، تعززت الدعوات لوقف إطلاق النار من خلال لقاء بين الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، أمس، في مدينة ريو دي جانيرو. وأكد المسؤولان على ”ضرورة التوصل إلى هدنة دائمة في قطاع غزة”، وأصرّا على ”ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني دون أي قيود”.
في خطوة تعبيرًا عن التضامن مع القضية الفلسطينية، جددت كل من ماليزيا والبرازيل ”دعمهما لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، مع القدس الشرقية عاصمة لها، وفقًا لحدود 1967”. كما دعا البلدان إلى ”الانضمام الكامل والفعلي لفلسطين إلى الأمم المتحدة”، مؤكدين أن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية ”يظل خطوة أساسية لتحقيق سلام دائم في المنطقة”.
إن هذا التصاعد في الدعوات لوقف الأعمال العدائية وحماية المدنيين يعكس رغبة دولية متزايدة في أن يتدخل المجتمع الدولي لوقف تصاعد العنف وفتح الطريق نحو السلام في الشرق الأوسط .
أمينة ب.