تمثل الأوضاع الحالية في غزة والضفة الغربية أزمة إنسانية كبرى، حيث يتم استخدام الجوع والتهجير وتدمير المنازل والبنى التحتية المدنية بشكل منهجي كوسائل حرب.
تتزايد الدعوات لوقف إطلاق نار دائم، ونشر حماية دولية، وإجراء تحقيقات مستقلة في جرائم الحرب. ومع ذلك، تستمر المعاناة على الأرض في التفاقم، وسط صمت عالمي يصمّ الآذان.
أعلنت مصادر طبية فلسطينية، أمس، أن عدد الشهداء في قطاع غزة بلغ حتى الآن 54,981 شهيدًا، منذ السابع من أكتوبر 2023، تاريخ بدء العدوان الإسرائيلي. وأوضحت المصادر ذاتها أن الغالبية العظمى من الضحايا هم من الأطفال والنساء.
كما بلغ عدد الجرحى 126,920 جريحًا، إضافة إلى عدد غير معروف من المفقودين تحت الأنقاض، الذين يتعذر الوصول إليهم بسبب كثافة القصف وانهيار البنية التحتية.
مجازر يومية، تهجير قسري وتجويع في غزة
منذ استئناف الهجمات الواسعة التي يشنها الجيش الصهيوني في 18 مارس 2025، في انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار، تم تسجيل 4,701 شهيدًا إضافيًا، إلى جانب 14,879 جريحًا.
وتستهدف هذه الهجمات أيضًا نقاط توزيع المساعدات الإنسانية، حيث قُتل حتى الآن 163 فلسطينيًا أثناء محاولتهم الحصول على الطعام أو المياه. وأمس فقط، فقد 36 شخصًا حياتهم وأُصيب 208 آخرون، في دليل واضح على استخدام الجوع كسلاح في هذه الحرب.
وفي تطور خطير آخر، وجّه الجيش الإسرائيلي، أمس، نداءً جديدًا للتهجير القسري، دعا فيه المدنيين في أحياء الكرامة، وعبد الرحمن، والنهضة، ومخيم جباليا، وعدد من المربعات السكنية الأخرى إلى التوجه جنوبًا. إلا أن العديد من الشهادات والتقارير الصادرة عن منظمات غير حكومية تؤكد أن “لا مكان آمن” في قطاع غزة، حيث تطال القذائف حتى المناطق المصنفة كملاجئ.
وفي هذا السياق، أعربت الأمم المتحدة وعدة منظمات دولية عن قلقها البالغ إزاء ما وصفته باستراتيجية تهجير جماعي للسكان، مقترنة بتدمير ممنهج للمنازل والبنية التحتية المدنية والزراعة.
الأمم المتحدة:الاحتلال يرتكب جريمة إبادة جماعية بقتل المدنيين الذين لجأوا إلى المدارس ودور العبادة
قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن سلطات الاحتلال الصهيوني ارتكبت “جريمة إبادة جماعية” بقتلها مدنيين لجأوا إلى المدارس ودور العبادة في قطاع غزة، وذلك في إطار حملة منظمة للقضاء على الحياة الفلسطينيةز
ومن المقرر أن تقدم اللجنة تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بجنيف في 17 جوان.
وقالت الرئيسة الحالية للجنة، والمفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، في بيان: “نلاحظ بشكل متزايد أن الكيان الصهيوني ينفذ حملة منظمة للقضاء على الحياة الفلسطينية في غزة”.
وأضافت: “استهداف الكيان الصهيوني للحياة التعليمية والثقافية والدينية للشعب الفلسطيني سيضر بالأجيال الحالية والمستقبلية، ويقوض حقهم في تقرير المصير”.
وأشارت أيضًا إلى أن اللجنة فحصت الهجمات على المنشآت التعليمية والدينية والثقافية لتقييم ما إذا كانت تشكل انتهاكات للقانون الدولي.
تصاعد الهجمات الصهيونية في الضفة الغربية المحتلة
فيما لا تزال غزة ترزح تحت الأنقاض، تتواصل الهجمات الصهيونية في الضفة الغربية المحتلة بوتيرة متصاعدة.
في طولكرم ومخيم نور شمس، يواصل الاحتلال تنفيذ حملة عسكرية تشمل الحصار والتهديم والتهجير القسري، منذ أكثر من أربعة أشهر. ففي طولكرم وحدها، تم هدم 58 مبنىً، تضم أكثر من 250 وحدة سكنية، بالإضافة إلى عشرات المحال التجارية. وأسفرت هذه العمليات حتى الآن عن استشهاد 13 شخصًا، بينهم امرأة حامل، وإصابة العشرات.
وقد تم تهجير ما يقرب من 25,000 مواطن، وهُدم أكثر من 400 منزل بشكل كامل. ويعيش سكان المخيمين في ظروف أشبه بالإبادة، معزولين خلف الحواجز العسكرية، دون ماء أو كهرباء أو أي إمكانية لوصول المساعدات الإنسانية..
كما تتعرض الضفة الغربية المحتلة لحملات قمع متصاعدة من قبل قوات الاحتلال.
ففي قرية فقوعة شرق جنين، اقتحم الجنود الصهاينة البلدة لمدة تسع ساعات متواصلة ليلًا، وحوّلوا أحد المنازل إلى ثكنة عسكرية بعد إجبار ساكنيه على الإخلاء.
وفي الخليل، كثف الاحتلال من الحواجز العسكرية عند مداخل المدينة ومخيماتها، مما أعاق حركة المواطنين بشدة.
وقد تم اعتقال شاب خلال هذه العمليات، وجرى تنفيذ مداهمات عنيفة في عدة أحياء.
وفي أريحا، تزداد الاقتحامات، خاصة في مخيم عقبة جبر، حيث تم تدمير عدد من المنازل ومحتوياتها في إطار سياسة الترهيب الممنهجة.
أما في بيت لحم، فقد اعتقلت القوات الصهيونية ثلاثة مدنيين خلال سلسلة من المداهمات الصباحية، ضمن حملة قمع متواصلة تستهدف سكان المنطقة.
وفي نابلس، ما تزال البلدة القديمة تخضع لحصار عسكري مشدد، مع فرض حظر تجوال في عدة أحياء، وتقييد حركة السكان بشكل صارم.
استفزازات وعنف المستوطنين
من جهة أخرى، اقتحم عشرات المستوطنين الصهاينة، أمس، باحات المسجد الأقصى تحت حماية شرطة الاحتلال، وأطلقوا استفزازات متكررة.
وقد دعت جماعات متطرفة بشكل علني إلى أداء “طقوس دينية يهودية” داخل المسجد، بدعم من الإجراءات الأخيرة التي أقرها وزير الأمن القومي الصهيوني، إيتمار بن غفير.
وتُعد هذه الممارسات انتهاكًا صارخًا للوضع التاريخي والديني القائم في المسجد الأقصى، وقد تفضي إلى تصعيد إقليمي خطير.
وفي سياق موجة أوسع من اعتداءات المستوطنين، أقدم أحدهم في قرية ياسوف شرق سلفيت على إغلاق المدخل الرئيسي للقرية باستخدام الحجارة الكبيرة، وذلك تحت حماية قوات الاحتلال.
وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد تم تسجيل 252 اعتداء من قبل المستوطنين خلال الشهر الماضي، أبرزها في نابلس (91)، ورام الله (89)، والخليل (72).
وتشمل هذه الاعتداءات حرق المحاصيل، والاعتداء الجسدي، وتخريب الممتلكات، دون أي مساءلة أو محاسبة. ويقيم اليوم أكثر من 600,000 مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
الخارجية تجدد مطالبتها بتدخل دولي عاجل لوقف سياسة الاحتلال الرامية لتفجير الأوضاع في الضفة
في هذا الإطار، حذرت وزارة الخارجية والمغتربين مجددا من مخططات الاحتلال المتسارعة الرامية لتفجير الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة وتعميق جرائم الإبادة والتهجير والضم ضد الشعب الفلسطيني، وتقويض أي فرصة لتجسيد الدولة الفلسطينية، سواء التصعيد الحاصل في جرائم الإبادة والتهجير والتدمير في قطاع غزة، أو الاستباحة غير المسبوقة لجيش الاحتلال والمستعمرين للضفة الغربية المحتلة كما يحصل حاليا في نابلس، وكذلك استمرار جرائم هدم مئات المنازل في مخيمات جنين وطولكرم وعديد البلدات الفلسطينية.
وأضافت الوزارة، في بيان، أمس الثلاثاء، أن ذلك يترافق مع تعميق وتوسيع الاستيطان وبناء عشرات البؤر العشوائية والاستيلاء على مساحات واسعة من الضفة بحجة الاستيطان الرعوي والأغراض العسكرية الاستعمارية، وتقطيع أوصال الضفة وشل قدرة المواطن الفلسطيني على الحركة والتنقل والوصول إلى مصادر رزقه، والاستهداف المتصاعد للمقدسات المسيحية والإسلامية وفي مقدمتها ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك من محاولات لتكريس تقسيمه الزماني والمكاني.
وطالبت وزارة الخارجية والمغتربين المجتمع الدولي بإجراءات عملية وفورية لوضع حد لتغول الاحتلال على الشعب الفلسطيني وحقوقه، مشيرة إلى أنها تنظر بإيجابية للجهود التي تبذلها فرنسا والمملكة العربية السعودية الشقيقة لإنجاح المؤتمر الدولي في نيويورك، وتعمل لترتقي مخرجاته إلى مستوى التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية وفي المقدمة منها الوقف الفوري لجرائم الإبادة والتهجير والضم وحماية حل الدولتين.
المجلس الوطني الفلسطيني: صمت المجتمع الدولي يشجع الاحتلال على مواصلة جرائمه
وفي سياق متصل، صرّح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، بأن خطة الاحتلال لهدم أكثر من 100 منزل في مخيم جنين تمثل “جريمة تطهير عرقي يرتكبها الاحتلال في إطار خطة ممنهجة للتهجير القسري وتفكيك المخيمات الفلسطينية”.
وفي بيان صدر أمس عن المجلس الوطني، أكد فتوح أن ما يجري يُعد “جريمة حرب ضد الإنسانية، تنفذها حكومة متطرفة يرأسها رئيس وزراء مطلوب للعدالة الدولية”، مشددًا على أن “صمت المجتمع الدولي يشجّع الاحتلال على مواصلة جرائمه”.
ودعا الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية إلى “التحرك الفوري لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات”، كما طالب البرلمانات والمنظمات الحقوقية الدولية بـ”كسر صمتها ومواجهة جرائم الاحتلال بحق المدنيين”.
وختم فتوح بالتأكيد على أن الشعب الفلسطيني “صامد على أرضه، وأن كل وسائل القمع والهدم لن تنجح في كسر إرادته أو سلبه حقه في العودة، والحرية، والاستقلال”.
ك.ب